الجامع الكببر و مشاكل الصيانة (ج2) : ملاحظات عن ملابسات مقلقة تشمل ايضا عدة مجالات حضارية و مفهومية
قلقنا من تواجد قطرات الدم في جامع ليس قلقا ذاتيا منبعه الخوف و لا فقط حيرة فكرية فيما يمكن ان يحدث في زمن يهون فيه الالم الانساني و الذات البشرية. بل له ما يبرره من الخشية على الجامع و على رواده و زواره و ايضا على بقية معالم و مباني المدينة، و ذلك قد يشمل ايضا السلوك المعماري ان صح التعبير مع الاسف رغم غرابته.
اذ نلاحظ في سياق هذه الظروف المقلقة عدة ملاحظات و سلوكات غريبة:
* الرواد يتعمدون الشرب من سطل الماجل رغم وجود مشارب.
* بعض المستخدمين في الجامع يدعون الزوار، بما فيه سواح اوروبيون، الى الشرب بنفس الطريفة.
* في احدى الايام اقتربت عائلة صغيرة و شربت من السطل. بعد ذلك اقترب مني كهل و سالني: نحن من اليمن. هل يوجد ميضأة هنا؟ (لاحظ: في اليمن تنتشر الكوليرا. تنتقل اساسا بمياه الشرب).
* منذ سنوات لاحظنا وجود عمود رخامي جديد مخزن داخل بيت الصلاة. ثم ازداد عمود آخر منذ سنة. لماذا اثنين فقط و ما مصدر هذا الانفاق غير الضروري بشكله المحدود ذاك؟ لم الرخام الابيض الباهض؟. و لماذا لم يقع تركيب العمودين؟
* في بداية نوفمبر 2017 لاحظنا ظهور انخساف أو غور في ارضية نهج الجامع الكبير قرب زاوية الجدار في اتجاه الجنوب الشرقي. يظهر في شكل تشققات عميقة. قد يكون بسبب مرور عربة محملة، و لكن قد يكون خطرا اخر يهدد الجامع بالانهيار بعد سنوات عديدة بتغكك التربة تحته. وهي مشاكل تعالج في ميادين عديدة بحقن ملاط اسمنتي سائل في اطار برنامج صيانة محكم و شامل.
* قبل ذلك، منذ حوالي 2013 ، لاحظنا ان الملاط الذي يغلف الجدار هنالك في نفس المكان قد اقتلع و اصبخت الحجارة عارية. و تزداد المسألة غرابة اذا علمنا ان محلا لبيع الجوال يقع مدخله في نفس ذلك الجدار. من فعل ذلك و لماذا؟ الم يره الكاري؟ و لماذا لم يقع اصلاح ذلك طيلة الخمس سنوات اللاحقة؟
* في بداية 2018 لاحظنا ان التشقق المذكور اعلاه في الارضبة قد غطي بطريقة غير محكمة بلاسمنت. المحير هو لماذا تم التعامل مع هذا العيب بالذات فقط؟ من فعل ذلك؟ هل يكون يقصد اخفاء المشكل؟
* مسألة تقشير جدران المباني القديمة المتينة و الصالحة للسكن و الاستعمال ليست جديدة. في سنة 2009 وقع تقشير جدران مبنى اخر جميل و متين هو مبنى القباضة المالية في باب البحر بجوار مغازة مونوپري. مع العلم ان ذلك قد يكون الهدف منه بعد مرور الوقت الايهام بتقادم المباني و تداعيها للسقوط.
لاحظ: ليس هذا حالة معزولة. شاهدنا على الاقل 3 حالات اخرى. احدها ازيل فيه المبنى حاليا. وقبل ذلك بسنتين ازيلت الابواب و القيت كميات ردم و زبالة في الحديقة و اضرمت النار في المبنى فبدا متداعيا و قديما. و لا نعرف من فعل هذا و هل يملك المكان الذي سدت حاليا كل منافذه. في مثال اخر يخص مقرا سابقا لحزب حاكم بعد 2011 وقع ترك الردم على الجانبين بعد الشروع في هدم اعلى الجدار للايحاء بالتداعي.
و قد ارتبط كل ذلك بعدة تغييرات في القيم و العناصر المعمارية لا جمالية و لا فائدة فيها. و توحي بالرغبة في تسويق مواد اولية كاسدة بكميات اكبر تحت دعوى الموضة الجديدة و الفعالية. كما ان احد ابناء الجهة من المهتمين بالثقافة و الشان العام يقول: مهما كان الامر و السياقات لا تستطيع ان تنكر ان ازالة فيلا من الطراز المورسكي او حتى عمارة ذات 4 طوابق من سنة 70 يمكننا من اقامة مركب من 25 طابق فنربح مساحة. ولكننا نسأله: و ما العمل في مفعول التعلم السلبي لشبابنا الذي سيرانا نقبل الامر الواقع و ازالة الاصيل الذي يصلح لبناء الجديد المربح ؟ و ايضا: اذا زالت تلك القباضة فجاة و في غفلة منا من سيصدق بعد ذلك ادعاء الحكمة الفهم و اليقضة و الحزم لدينا ؟ ولكن ايضا: لماذا لا تستغل مبانينا الاثرية للتظاهرات الثقافية (عروض....) و الخيرية (ايام صحية....) التي تجري حاليا في الشارع و البرد ؟ لماذا، اذا انهارت فعلا فجأة و بفعل مجهول، لا نجعل المساحة المتوفرة حديقة او اي شيء آخر نافع للطبيعة و بهذا نتدارك ما فاتنا منذ التوسع العمراني و الاقتصادي غير المعقلن الذي بدأ في القرن العشرين (و فيه لا يتوقع احد ما يحصل و لم تقع فيه دراسات للمخاطر) و الذي يتحكم فيه البناؤون و يجعل اتجاه تطورنا يتمحور حول الاجر و و الاسمنت حصرا و لا مكان فيه لمصممي الحدائق و المنشآت الخيرية ؟ (علما ان تنظيم الانشطة في هذه المباني يمكن من تحصيل مداخيل تنفق على الصيانة الخ....).
من التغييرات المعمارية التي اشرنا اليها آنفا و نذكرها لإثارتها التساؤل اكثر من غيرها حول هاجس الجمالية و الصدقية لدينا:
- ارتباط نشأة التوجه "البيئي" في اعلامنا و معمارنا المنظم بوصفات او نصائح غير دقيقة. مثلا: نصح المستمعين بغراسة سياج من الزعتر لمقاومة البعوض؛ بناء طوارات حول المنزل للوقاية من 'الندى'. (العكس هو الصحيح).
- استعمال صفائح معدنية لتزويق المباني و المحلات بدل اعادة تلييقها و دهنها.
- استعمال الهواء المضغوط (كمپرسور) لدهان الابواب (بالتالي تلويث الهواء و تبديد كميات اكبر من الدهن).
- هناك جهة ما تفرض على المواطنين انفاق مدخراتهم في اقامة سياج اسمنتي لاراضيهم و لا تهتم بفرض عدم تكديس فضلات الحدائق والمنازل فيها. طبعا كل يبني سياجه على طراز خلص به غير موحد و ليس بالضرورة سيدهنه. و نحن نعلم ان توحيد الطراز شرط للجمالية في حال كثرة العناصر المكونة لمنظر ما. مثلا قرية سيدي بوسعيد
- استعمال صفائح من الطولة للاحاطة بالمباني غير المستعملة في حين تبقى الابواب مفتوحة و تصبح مزابل (مثلا عمارة قدام نزل في باب البحر و القباضة) و ايضا احاطة المنازل غير المسيجة في الانهج الجديدة، و ايضا حضائر بناء منتهية او جارية بلا موجب. وفي مرة واحدة على الاقل استعمل الصفيح في ترميم سقف محل قديم. كل ذلك غير مسبوق و به تتحول المدينة الى حي قصديري.
- استعمال طبقة من المشمع او البلاستيك بين الاساسات و بقية البناء سواء في الجدران او غيرها. و في احدى المرات انهار الجدار بفعل الرياح بسبب عدم ترابطه.
- زيادة حجم المساحة المغطاة في المنازل القديمة و الجديدة باضافة ما سمي ' بطحاية' و طوارات تغرس فيهاالنباتات بدل الحديقة . و النتيجة ارتفاع حرارة المنزل و زيادة الرطوبة في المبنى. و الحل سريع موجود: اعلانات عن امكانية شراء مكيفات اضافية رخيصة ، و ربما قريبا نجد في السوق اقراص نشربها مع القهوة تخفض حرارة الجسم في الصيف و الة تخفض الرطوبة من المبنى !!
- غراسة اشجار دائمة الخضرة في الحديقة من طرف المقاول غالبا، بدل اشجارنا الموسمية الخضرة. و النتيجة مزيد من التكلفة (فالتين و العنب و الرمان يمكن غراسته في شكل اغصان و لو بلاجذور في البداية، تحصل عليها من اي شخص له هذه الاشجار) و كثرة الفضلات الحديقية بسبب النمو المتواصل، و تغيير استقطاب قطاع الحدائق و الغراسات.
- كثرة توارد ظاهرة اللجوء الى هدم بعض الاجزاء في الجدران و التقسيمات الداخلية للمنزل في طور البناء فتتراكم كميات ضخمة من الاجر المكسر و الردم امام الحضيرة، مع كثرة الضجيج المتواصل. متثبت من هتا.
و المقلق هو حصول ظواهر و تصرفات غريبة مضرة احيانا حتى بصحة البشر نذكر فقط بعضها لضيق المجال:
- منذ 2013 على الاقل، نلاحظ مرارا نزول مياه برتقالية اللون من الحنفيات في المنازل في الاحياء الشعبية (ولم تتوفر لنا امكانية الدخول الآمن للاحياء الراقية للسؤال و المقارنة). وخلال وقت قصير يترسب في قاع الانية المعبأة ماء مادة حمراء طينية و ترايية تدل على ان السبب هو تسرب التربة الى القنوات عند تصليح الاعطاب. و بالفعل لاحظنا تزامن الظاهرة مع مثل هه الاشغال، و كثرة هذه الاعطاب و ايضا لاحظنا استعمال آليات الحفر في التصليح بدل العمال بحيث لا يمكن تفادي تكسير القنوات، ثم لا يتم تنظيف القنوات من المياه الملوثة بالتربة قبل تركيب الوصلات. علما ان اغلب المواطنين من مستويات مختلفة يعتمدون على الحنفية للشرب لانعدام المواجل لديهم اما بسبب ضعف المداخيل او ضعف الذاكرة الثقافية لديهم.
- ايضا منذ 2014 تقريبا نلاحظ تغييرا في نوعية المَحافظ المعروضة للبيع و المستعملة من طرف التلاميذ الصغار لحمل كتبهم و لوازمهم المدرسية. زيادة على استعمال المواد الصناعية في صنعها بدلا من الجلد ( من هنا احتداد ازمة الفضلات الجلدية و البلاستيكية و استنزاف العملة الصعبة و اهدار المادة الاولية ) لاحظنا ان التلاميذ و اولياءهم يشترون غالبا محفظة كبيرة يضعون فيها كل لوازم التلميذ مرة واحدة بلا سبب. و النتيجة: ارهاق التلميذ و حصول تشوهات عظمية له؛ عم تعود الكفل على تنظيم محفظته يوميا ؛ تمزق الادوات ؛ المشهد المضحك لمجموعات التلاميذ و هم يجرون محافظهم ذات العجلات على الطريق و حتى في المسافة بين عتبة الروضة و السيارة، و عند عبور المعبد بين السيارات مما يتسبب في الضجيج و يعرض مستعملي الطريق للخطر. [علما و ان انتشار هذه المحافظ و الاقبال لديها على نطاق واسع و عموم طريقة حملها و حمل كل الكتب فيها....الخ ، تدل على ارشاد سيء ناتج عن شدة قابلية الاولياء للتأثر ، و هو امر متوقع في ظل التراجع الاقتصادي و الحقوقي. ]
- لاحظنا اهتمام البلاد بالانفاق على هيئات غريب تواردها و تخصصها آخرها هيئة مكافحة الاتجار في الاشخاص و التي يشير وزير العدل بالحاح انها لبنة جديدة في منضومة حقوق الانسان التونسية المتكاملة. و نحن نتساءل هل نرى مستقبلا تركيز هيئة واحدة لملاحظة ما اشرنا إليه في هذا المقال؟
- لاحظنا تطورات مقلقة على مستوى مفهوم المجتمع المدني . فقد ظهر هذا المفهوم لدينا على مستوى الشأن العام العملي في اواخر الثمانينات ليشير الى مجتمع او سكان بلد معين يتمسكون بالقواعد و العناصر المدنية في عيشهم و سياستهم. مثلا : رفض اتخاذ لباس موحد للسكان ؛ رفض وصاية فرد على المجموعة بغير ارادتها؛ رفض سيطرة العسكريين على الحكم ؛ رفض الصياغة غير البشرية للقوانين؛ ....الخ و الاهم من كل ذلك في مفهوم المجتمع المدني ان المقصود به هو مجموع الافراد الذين يسكنون البلاد ، و بهذا تكون اضافة صفة المدني فقط لهدف تعليمي للتنصيص على انه يكافح ضد حكومة او فكرة غير مدنية او عسكرية او ذات توجه قتالي او مذهب متعصب. (و بهذا يكون بالامكان اعتبار الحكومات و المنظمات و الاحزاب جزءا من المجتمع المدني اذا كانت تدافع عنه. و لا يمكن ذلك من باب التوقي -وهو مبدأ رائج في تونس مثلا ، من ذلك حل البلديات قبل الانتخابات- اذا سبق لها المشاركة في الحكم و المرور بفترات او اعمال دكتاتورية). لكن مع الاسف نلاحظ مؤخرا امرين مقلقين:
× اذا سمعنا عن حوار جهة رسمية مع المجتمع المدني اكتشفنا فورا ان ذلك يعني المنظمات و الجمعيات و بالتالي يكون المشاركون من المنتمين لها دون من يكون له اهتمام سابق بالموضوع من السكان و الاساتذة المختصين غير المنتمين للجمعيات . و غالبا يكونون حصريا شبابا من حيث العمر.
× قواعد تنظيم المؤسسات المدنية تناقض قواعد تنظيم الهياكل الدكتاتورية و الوحدات العسكرية و رغم ذلك نلاحظ عدم الالتزام بها ، نعني: الانتداب الاجتماعي ؛ حرية الترشح لمناصب المسؤولية ؛ العمل اليومي في فترات السلم اساسا ؛ تنظيم اجتماعات عامة و عمومية ؛ تنظيم برامج محددة وفق اسبر للاراء....
ماذا يجري خلال هذا الوضع؟ لا شيئ. أو لا شيئ يتصف بالطرافة و الجدبة و الاحكام و هذا منتظر لدى من لا تحركه لا اوتار الاحكام الهندسي و لا العادة الثقافية و لا المشاهد الاصيلة و لا حتى الاخطار الداهمة و الحالات الاستعجالية. لكن يمكن ان نذكر هنا سريعا موضوعا يرد اكثر من غيره في الاخبار: الانتخابات البلدية. فقد اعلن في جانفي ان هيئة الانتخابات ستنتدب 52 الف عون للهيئة + 5 الاف عون مراقبة (كان يمكن توفير اجورهم لخدمة امور اخطر باستعمال المهتمين بالشان العام) و سبكونون من المختصين في الاعلام و القانون و المالية (بينما قواعد الجمهورية و الديمقراطية لا تشترط تخصصا ايا كان بل فقط المواطنة و الرغبة في المشاركة، و ليس حعلها مصدرا للكسب) و سيقع تكوينهم من طرف الهيئة (و هنا نتساءل عن مراقب لايعرف كيف يراقب و لا يخصص اراديا و قتا للمهارة في المراقبة. اليس ذلك خروجا عن مبدأ المشاركة المواطنية و الحرية في زمن الانتخابات و اعتماد مبدأ التقني و التوجيه و الارشاد)
كما ان الاطراف المعنية تخلت عن الفقراء الذين يمكن ان يحتاجوا اكثر من غيرهم للحراك البلدي، و بالغت في ذلك الى حد ارتكاب 'خطأ مهني ' بالسكوت عن المنظمين و المسيرين و المراقبين بمقابل الذين كثيرا فيما بعد يتظاهرون للمطالبة بالانتداب الدائم !! مما يخلق عبئا ماليا كان يمكن انفاقه على حضائر تتراوح بين صيانة المعالم و صون الامن الصحي و الثقافي للبلاد. و هنا تتساءل: هل نشاط الانتخابات مثل غيره ايضا لحل مشكل البطالة و كساد الحواسيب؟
تحياتي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire